القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي وأكد خلاله على الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني كان يفترض من القيادة السياسية الفلسطينية مجموعة من الإجراءات أوّلها الانسحاب الفوري من عملية التسوية المذلّة، وثانيها وقف التنسيق الأمني مع العدو، وثالثها تحريض الشعب للعودة إلى خيار الانتفاضة والعمل الفدائي المسلح. أيّ العودة إلى أصالة القضية، ونقاوة العمل الثوري، وتوجيه الجماهير بطريقة منظمة نحو هدف التحرير بشكل واضح.
الخبرات والتجارب التي قامت على التسوية كلها فشلت بجهود مَن وضع نفسه وسيطاً، أعني الإدارة الأميركية وأيضاً بسياسات إسرائيل التي كانت ترغب بالتسوية وفق شروطها أيّ إضعاف الفلسطينيين بكلّ الوسائل المتاحة حتى الاستسلام الكامل. وهذا ما يفسّر لماذا طالت عملية التسوية حتى هذا الزمن، لأنها قامت على أساس الوقيعة بالفلسطينيين والضغط عليهم حتى يتنازلوا عن جميع حقوقهم. وهذا مناقض لمنطق الحق والتاريخ على حدّ سواء. وفي الوقت الذي تمسّك الصهاينة بباطلهم، تراخت القيادة الفلسطينية الرسمية وبدأت مسلسل التنازلات بما لا يخطر على بال.
وعلى كلّ حال اليوم، القيادة أمام فرصة تاريخية للعودة إلى سّكة الصراع واستعادة الثوابت التي نُسيت أو هُدرت. العودة إلى اعتبار إسرائيل عدواً، والكفّ عن تزييف وعي الفلسطينيين وحقائق الصراع والتوقف عن بيع الأوهام. الشعب الفلسطيني لم يُحبط يوماً من المقاومة أو تعب من تقديم التضحيات، وإنما من مسار التسوية الذي جرّ الخيبة والذلّ والهوان وأخّر عملية التحرير.
لا شكّ في أنّ خطوة الرئيس الأميركي تعتبر حدثاً كبيراً للغاية، لأنها تعكس مساراً مقبلاً وتحديات محتملة ما يستوجب رداً موازياً وعميقاً وله التأثير الجسيم على المشروع الأميركي الصهيوني. إنّ الدور الفلسطيني بعد هذا التطور يحتاج لتطوير وتحفيز، ومن الخطأ أن يبقى مقيّداً تحت ما يسمّى سقف الواقعية .
الحالة الجماهيرية تؤذن ببزوغ انتفاضة كبرى، فلتكن القيادة السياسية على قدر المسؤولية الدينية والوطنية والتاريخية.